الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.استيلاء الحسن بن زيد على جرجان. ولما هرب الحسن بن زيد أمام مفلح من طبرستان ورجع مفلح اعتزم الحسن على الرجوع إلى جرجان فبعث محمد بن طاهر إليها العساكر لحفظها فلم يغنوا عنها وجاء الحسن فملكها وضعف أمر بن طاهر في خراسان وانتقض عليه كثير من أعمالها وظهر المتغلبون في نواحيها وعاث السراة من الخوارج في أعمالها ولم يقدر على دفعهم وآل ذلك إلى تغلب الصفار على ابن طاهر وانتزاع خراسان من يده كما ذكرنا..فتنة الموصل. كان المعتمد قد ولى على الموصل أساتكين من قواد الأتراك فبعث عليها هو ابنه اذكرتكين وسار إليها في جمادى سنة تسع وخمسين فأساء السيرة وأظهر المنكر وعسف بالناس في طلب الخوارج وتعرض الأيام رجل من حاشيته إلى إمرأة في الطريق وتخلصها من يده بعض الصالحين فأحضره أذكرتكين وضربه ضربا شديدا فاجتمع وجوه البلد وتآمروا في رفع أمرهم إلى المعتمد فركب إليهم ليوقع بهم فقاتلوه وأخرجوه واجتمعوا على يحيى بن سليمان وولوه أمرهم ولما كانت سنة احدى وستين ولى أستاكين عليها الهيثم بن عبد الله بن العمد الثعلبي العدوى وأمره أن يزحف لحربهم ففعل وقاتلوه أياما وكثرت القتلى بينهم ورجع عنهم الهيثم وو لى أستاكين مكانه إسحق بن أيوب الثعلبي جد بني حمدان وغيره وحاصرها مدة ومرض يحيى بن سليمان الأمير وفي أثنائها فطمع إسحق في البلد وجد في الحصار واقتحمها من بعض الجهات فأخرجوه وحملو يحيى بن سليمان في قبة وألقوه أمام الصف واشتد القتال ولم يزل إسحق يراسلهم ويعدهم حسن السيرة إلى أن أجابوه على أن يقيم بالربض فأقام اسبوعا ثم حدثت ممن بايعه بعض الفعلات فوثبوا به وأخرجوه واستقر يحيى بن سليمان بالموصل..حروب ابن واصل بفارس. قد تقدم لنا وثوب محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي بالحرث بن سيما عامل فارس وتغلبه عليها سنة ست وخمسين فلما بلغ ذلك إلى المعتمد أضاف فارس إلى عبد الرحمن بن مفلح وبعثه إلى الأهواز وأمده بطاشتمر وزحفوا من الأهواز إلى ابن واصل سنة احدى وستين فسار معهم من فارس ومعه أبو داود العلوس ولقيهم برام هرمز فهزمهم وقتل طاشتمر وأسر ابن مفلح وغنم عسكرهم وبعث إليه المتعمد في إطلاق ابن مفلح فقتله خفية وسار لحرب موسى بن بغا بوسط وانتهى إلى الأهواز وبها إبراهيم بن سيما في جموع كثيرة ولما رأى موسى بن بغا اضطراب هذه الناحية استعفى المعتمد من ولايتها فأعفاه وكان عند انصراف ابن مفلح عن الأهواز إلى فارس قد ولى مكانه بالساج وأمره بمحاربة الزنج فبعث صهره عبد الرحمن لذلك فلقيه علي بن أبان قائد الزنج فهزمه علي وقتله وانحاز أبو الساج إلى عسكر مكرم وملك الزنج الأهواز قعاثوا فيها ثم عزل أبو الساج عن ذلك وولى مكانه إبراهيم بن سيما فلم يزل بها حتى انصرف موسى بن بغا عن الأعمال كلها ولما هزم إبراهيم بن سيما بن واصل عبد الرحمن بن مفلح وقتله طمع يعقوب الصفار في ملك فارس فسار من سجستان مجدا ورجع ابن واصل من الأهواز وترك محاربة ابن سيما وأرسل خاله أبا بلال مرادس إلى الصفار وراجعه بالكتب والرسل بحبس ابن واصل رسله ورحل بعد السير ليفجأه على بغتة وشعر به الصفار فقال لخاله مرادس: إن صاحبك قد غدر بنا! وسار إليهم وقد أعيوا وتعبوا من شدة السير ومات أكثرهم عطشا فلما تراءى الجمعان انهزم ابن واصل دون قتال وغنم الصفار ما في عسكره وما كان لابن مفلح واستولى على بلاد فارس ورتب بها العمال وأوقع بأهل زم لأعانتهم ابن واصل وطمع في الاستيلاء على الأهواز وغيرها..مبدأ دولة بني سامان وراء النهر. كان جدهم أسد بن سامان من أهل خراسان وبيوتها وينتسبون في الفرس تارة وإلى سامة بن لؤي بن غالب أخرى وكان لأسد أربعة من الولد: نوح وأحمد ويحيى وإلياس وتقدموا عند المأمون أيام ولايته خراسان واستعملهم ولما انصرف المأمون إلى العراق ولى على خراسان غسان بن عباد من قرابة الفضل بن سهل فولى نوحا منهم على سمرقند وأحمد على فرغانة ويحيى على الشاش وأشروسنة وإلياس على هراة فلما ولي طاهر بن الحسين بعده أقرهم على أعمالهم ثم مات نوح بن أسد فأقر إخوته يحيى وأحمد على عمله وكان حسن السيرة ومات إلياس بهراة فولى عبد الله ابن طاهر مكانه ابنه أبا إسحق محمد بن إلياس وكان لأحمد بن أسد من البنين سبعة: نصر ويعقوب ويحيى وإسمعيل ويحيى وإسمعيل وإسحق وأسد وكنيته أبو الأشعث وحميد وكنيته أبوغانم فلما توفي أحمد استخلف ابنه نصرا على أعماله بسمرقند وما إليها وأقام إلى انقراض أيام بني طاهر وبعدهم وكان يلي أعماله من قبل ولاة خراسان إلى حين انقراض أيام بني طاهر واستولى الصفار على خراسان فعقد المعتمد لنصر هذا على أعماله من قبله سنة احدى وستين ولما ملك يعقوب الصفار خراسان كما قلنا بعث نصر جيوشه إلى شط جيحون مسلحة من الصفار فقتلوا مقدمهم ورجعوا إلى بخارى وخشيهم واليها على نفسه ففر عنها فولوا عليهم ثم عزلوا ثم ولوا ثم عزلوا فبعث نصر أخاه إسمعيل لضبط بخارى ثم ولي خراسان بعد ذلك رافع بن هرثمة بدعوة بني طاهر وغلب الصفار عليها وحصلت بينه وبين إسمعيل صاحب بخارى موالاة اتفقا فيها على التعاون والتعاضد وطلب منه إسمعيل أعمال خوارزم فولاه إياها وفسد ما بين إسمعيل وأخيه نصر وزحف نصر إليه سنة اثنتين وسبعين واستجاش إسمعيل برافع بن هرثمة فسار إليه بنفسه مددا ووصل إلى بخارى ثم أوقع الصلح بينه وبين أخيه خوفا على نفسه وانصرف رافع ثم انتقض ما بينهما وتحاربا سنة خمس وسبعين وظفر إسمعيل بنصر ولما حضر عنده ترجل له إسمعيل وقبل يده ورده إلى كرسي إمارته بسمرقند وأقام نائبا عنه ببخارى وكان إسمعيل خيرا مكرما لأهل العلم والدين.
|